كَم يليق بنا

خريفنا المتكرر

* حبيب السامر *

6.26.2008

(رماد الأسئلة) مجموعة من القصائد النثرية تتوهج فيهال الكلمات و تنطلق المعاني مغردة / صبيحة شبر

(رماد الأسئلة)
مجموعة من القصائد النثرية تتوهج فيها الكلمات وتنطلق المعاني مغردة


صدر عن اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة وعلى نفقة شركة آسيا سيل للاتصالات ديوان (رماد الأسئلة ) للشاعر حبيب السامر والديوان يضم 29 قصيدة نثر ..)
وتتميز قصيدة النثر بالكثافة وكثرة الصور الموحية ، التي يأتي بها الشاعر ، للتأثير على المتلقي ، ومنحه صور الجمال الفريد ، ولقد كانت القصيدة النثرية موضع الكثير من الاتهامات ، ووجهات النظر غير المنصفة أحيانا ، والتي تجعل من الشاعر في موضع العجز عن الإتيان بالقصيدة التراثية ، التي يتربع بها الوزن والقافية ، مفتخرين بقدرة كاتب القصيدة على المجيء بما جاء به الأوائل من فن زاخر بالجمال.
وحتى قصيدة التفعيلة التي جاء بها روادها، في أواخر المنتصف الأول من القرن الماضي ، لم تسلم من توجيه سهام الانتقادات المرة اليها ، ولكنها استطاعت بعد مسيرة النضال ، التي خاضها الرواد وتابعوهم ، ان تثبت أهليتها باستحقاق هذه الكلمة الساحرة لفظة ( شعر)
ورغم إن أغلب القصائد النثرية ، تخلو تماما من كل مميزات الشاعرية والجمال ، التي يمكن أن يسبغها عليها أربابها ، الا أن الشاعر ( حبيب السامر) نجح في أن يقدم لنا قصائد جميلة ، تتميز بروعة المعنى وجمال اللفظة .
ففي قصيدته : ( مطر يبلل قاماتنا) عبر عن غربة الإنسان الحديث ، الذي يجد نفسه منسلخة عنه ، لايمكن ان تمثله ، فهي غريبة ، لايستطيع التمكن من معرفتها والتقرب اليها ، ورغم إن المرآة قادرة ،على عكس الصورة الحقيقية للشخص الواقف أمامها ، إلا إن مرآة الشاعر من العجز والضعف ، لايمكن أن تعبر عن ذاته الحقيقية
في المرآة
أنا شكل آخر
لا يشبهني
تطيل المرآة التحديق إلي
لا أشبهها
إنها مصقولة تماماً
لكنها بلا أذرع
ويستمر حلم الإنسان البعيد عن التحقيق ، وتطول غربته ، وتتفاقم أمام قوى كبيرة ،تحاول أن تقضي على إرادته ، وتنجح غالبا :
أتمهل قارات وجعي
وعمري الآن
خمسون خريفاً
خريف مستمر خلال أيامنا ، في هذه الحياة ، يبتعد الربيع ويستحيل وجوده:
سأحصي الأوراق المتساقطة
فجر هذا الخريف
و ما يتبقى موتي
القصيدة المذكورة مقسمة إلى مقاطع ، مكثفة بعناية ، تبين رغبة الإنسان في الانعتاق من القيود ،بكل أنواعها والوصول إلى المراد ، فأيهما الحقيقة وأيهما الصورة ؟ وأي منهما الأصل وأي منهما الانعكاس ؟
أنا أم أنا
من ينتظر الآخر ؟
في قصيدة ( حارس آخر الليل) يحدثنا الشاعر عن قصة تتكرر كل ليلة ، عن معاناة حارس ، وعن مكابداته الطويلة والعناء المستمر
أخفى الحارس نعاسه
ألقى بالظلمة ،
خارج سياج مراياه
بأصابع الصمت
يبارز ظل الطواحين
ثوى ،
يرنو إلى
انكسار الليل
في زوايا تجاعيده المعتمة
حدقات صفر ،
تتطاير
فوق قامات السنابل المنحنية
تشدها الري
إلى ومضة من فنار
أمواجك
أتباعك
أوثقوا التاج
وأنت :
تهيئ ناراً لبريد آخر الليل
للغابة الماثلة
في عين المدار
سترقد في مكابدات صنائعك الواهنة
ما جدواك ؟
أيها المتعثر بالأخطاء
إن الضيف ،
قاد ظله نحوك
واختفى ،
تحت إمثولاته
وهن انكسار
كم مرت
على أحجارك
خيول العتمة
و أنت ممتلىء
تمازح مسبح
تصافح ظلمة
والحارس لا يزال
يقرص نعاسه
بالدخان والسعال
أخذته اللحظة
بلل تلويحاته
بندى انتظار
استقى الدخان
نحوك قادني الدخان
وبقايا سعال
هيأت لأجلك
خصيب الكلام
شدنا الليل
بسموات مقفلة
فمضينا معا
بؤبؤات ترمق
شوارد النهار
قصائد الشاعر حبيب السامر قصص جميلة ، ففي قصيدة ( طيبون) نجد أناسا طيبين تتناقض أيامهم ، يقضون على الشواطيء سهراتهم ، قد يدركهم النجاح في الوصول إلى الغايات ، ويستولي عليهم الفشل الذريع غالبا ، ورغم فشلهم إلا أن ينابيع أحلامهم لاتجف ، يظل تفاؤلهم شمسا منيرة ، تهديهم رموز حب وظلال

طيبـــون



كانوا
قرب الضفاف
يغزلون قصب الشطوط
السمك الفضي
يأكل حافات الطين
بممالك هرمة
يأتلفون
صبوتهم تضللها سنبلة
يرتلون طفولات الأرق
بمخاض
ينضج مرتبكاً
كالصخور
تتكسر عليها ينابيعه
كالثقوب
تارة تؤي الذئاب
وأخرى
تمهر عرائس الورد
قهوتهم
دمع العيــــــــــن
صبار
لا يعشق الماء

طيعـــــــــــــــــــون
سيقان آس
تصهل كالفراغ
تخبز مساءا تهم باللوعة

* * *

نبوءاتهم
لا تجف
مثل سمرة الرغيف الأول
هيأوا من وقت
وأنضجوا خباز العمر
فيما السمك الفضي
يغادر حافات الطين
يستنشق هواء شباك الصيادين

* * *

الأرق
استبدل لوحته الأبدية
بعرائش الشرفات
وأنت
على كفيك
ينمو وقع المطر
تنتظر قهوتهم
على رصيف
كان هناك
في قصيدة ( المجنون ثانية) تتكرر قصة الإنسان الباحث ،عن تحقيق بسيط لأحلامه البريئة العاثرة ، ويواصل الحلم مهما كانت الإخفاقات عسيرة ، ويتطلع الى الضوء الذي لن يظهر ، فالشمس لن تطلع أبدا ولن يجيء النهار
أنت
ثانية،
ثالثة.....وأخرى
قدماك واهنتان
تقودان خطاك
نحوك
أو ربما
تتباعد عنهما
ذبابة
إمتصت رحيق أسمالك
تفتش
عن مخلفات القطط
في قمامات الظهيرة
تصارح نفسك
بحكايات مبتورة
المدينة
تواً هدأت
يا صديق اليوكالبتوسات
وأخاديد السواقي
تحتذي جلدك
عيناك ترمقان الضوء
في أعلى الدار
تحلم،
تحط على شرفة الكلمات
النافذتان مزهرتان
الجميلة،
في فراشها الطري
لائذة
بندى الحدائق
والقمر الوضاء الوسيع
تأمل حلمه
حاول أن يقفز
في المرايا
تعثر بأسماله
وبقايا نباح كلب
تعالى صوته:
- اخلدوا للنوم المضجر
أيها المجانين
النهار لن يطلع غدا

في القصة الجميلة المنسوجة بعناية ( المذيعة الجديدة): نجد اندهاش بطل القصة بجمال المذيعة ، وبفخرها بدفء صوتها ، وبياض لحمها ، وبالغنى الظاهر على شكلها ، من اقتنائها غالي الثياب ، لاتبالي تلك المذيعة بما يخلقه ظهورها من رجفات متلاحقة في الرجل المشاهد ، تقذف جمرتها ، لتحول بين المشاهدين وبرودة الثلج الآخذة بالانصهار
أليفة كانت
تخطف سحر
الزئبق
بصوتها المائي
تتباهى
ببياض زندها
والقطيفة
ونحن تتمالكنا
الرجفات
* * *
مثل عصفور المطر
تحط
على أغشية
الفجر الأول
تفرش
ضحكتها على النافذة
تقذفنا بالجمرات
تشفق على سلالتنا المنكوبة
لتزيح الثلج عن رؤوسنا
كانت ترمقنا
نحن الغرباء
تلهج بخيبتنا
لا أحد
ينهض الآن
سوى دخان
تدجن أوجاعنا
للنشرة القادمة
ويواصل الشاعر الجميل قصصه المتلألئة ، بعذوبة الألفاظ وانتقاء المعاني ،ونسجها بطريقة تسر القاريء ، ففي ( تحولات المهامس)

1
إجتذب القهوة عنوة
وراح يحاور الجالس
على أريكة قلقة
قال القادم توا ...
ـ لقد بردت قهوتك
وأنت تتأمل السماء الفسيحة
عبر فضاء مغلق

2
اقترب من أذنيه
قليلاً
وراح يصغي بقسوة
لأول الأخبار

3
نام الصيف كله
ليصحو
على قرقعة الرعد
أفاق...
يئن ,ينشج
يهمس في شجاعته
يتفجر وحشة
ليرمم يأسه برصاصة

4
برر شجاعته
لينتظر
وسط حشد من الفراغ
بعثره الدخان
نخزته الغمائم
فتذرع باليقين
يختار الشاعر من قضايا الإنسان العراقي المهزوم بفعل الحروب المتكررة ، أفكارا لقصائده التي تتحدث عن ذلك المخلوق الرائع المحب للجمال ، والمناضل باصرار ، ولكن معاناته بلغت ثقل الجبال ، فوجد نفسه معزولا ، وقد انبهرت به الدنيا ، ورأسه على كتفه:

أيها الرأس ، حتماً سيهنئك الغراب


أيها الرأس
بجسدي
الدرع إحتمى
الوردة تزاحمني
تبتغي عطرها
وأنا مثقل بالحروب
بطيئة ..
حمائمي تغادر محاجرها
فأغدو..
سحابة متدلية
بعناقيد السماء
لم تعر عطرها
وسط انثيالات التبجيل

2
أيها الرأس
أبحث عنك ، ... بجلوك كثيرا
ونحن نتساءل ، من سيفيق في الخط الأخير ؟!
فورانات الساعة
تهب إفقها المعطل أسى
لا تلمس ضبابها
بأكف صنوبرية
صرختي ،
مأخوذة بالسراط
الخافقات لم تعطِ للنذر نهاراتها
لتحاور هفواتي
كالضغائن
بأجنحة خاملة

3
أيها الرأس
بك إنبهرت الدنيا
وأنت القابع ، ألقانع فوق جسدي
لم يكن العطب
في سلالات الزحمة
كاللذة دونما خافق
وأغدو..
زهوي بلون الفضة
وأساي مغلول حد الوجع

4
أيها الرأس
أنت المترنح فوق رقبتي
بعينين مفقوءتين
وأذنين مثقوبتين

وفم أخرس
أرتق بهجتك بالقرنفل
لتفق على مجد
يحسدك عليه الغراب
حتماً ..
سيهنئك الغراب

تكثر زنابق الجمال في مجموعة الشاعر ، أينما قرأته تجد غصونا تهديك الألق ، والفتنة الحزينة ، ونجوما تبسم للشمس الغائبة ، والنفوس المتطلعة لانبثاق النور ، مهما بلغت عتمة الظلام :

مختارات من قصائد الشاعر
الكون في نعاس دائم
إسرافيل
يرمم نواقيس الوقت
على حبل المطر
اعلق غيماتي
أيها الظمــأ
أدرك لحظاتي
بفراغ الأسئلة
بلــورات العمـر
لا ترسم خطاً واحداً
على ملامح الــورق
لأنه حتماً
سيبحث عن
خطوط أخرى
ليشكل
لوناً هندسياً
قد يتوازى ،
أو يلتقي ،
أو ربما
يظل وحيداً ... مثلي ...
2
أعيديني ،
لسواحل شفاهك
كم هو صعب التمني
سأزيح عنك وسائد الكهولة

3
عكاز شموسنا
قادتنا إلى منفى الفراشات
ومشاجب الأسى
في لحظة مشاكسة
فقدنا وحشتنا
كم أحتاج لزمن أجمع شعرك ،
أصصاً لشرفاتنا
ووروداً ........
بلا أجفان

4
لا تكتب حرفاً , في المرآة
لأنه حتماً .....
سيبحث عن حرف
أو حروف
ليكوّن كلمة دالة
أو يظل وحيداً ... مثلي
زهـــرة النســاء
المراسي القديمة ؛
مع الموج
تمارس لعبتها
و تفصح عن صيد؛
النوارس
تنسلخ من أعماق مويجاته
المح زهرة النساء
منسية على الساحل
أوهنها الصيادون
كم حاولوا بنبالهم
أن يسقطوا القمر
وتفصح عن حفيف مؤجل
يبدؤها أحدهم
يرتعد الآخر
يخبا أسماءنا
في بياضات النجوم
إرتعاشاتها الأولى
مثل الدفق

ليست هناك تعليقات: